حوار مع الدكتور الطيب بوتبقالت نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 8 غشت 2014 ،العدد :10. 775 الصفحة :4
حاوره – أنس اليملاحي
الدكتور الطيب بوتبقالت ، مدير سابق و أستاذ بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة. له عدة مؤلفات و عشرات المقالات في التاريخ المعاصر و الفلسفة و الصحافة و علوم الإعلام. أستاذ جامعي و فاعل جمعوي نشيط على المستوى الوطني و الدولي، عضو مؤسس للرابطة العربية الأمريكية لأساتذة و خبراء الاتصال، رئيس جمعية المجتمع المدني لتتبع تدبير الشأن المحلي لعمالة طنجة-أصيلة، و نائب الرئيس للمنظمة المغربية للإعلام الجديد. أجرينا معه هذا الحوار على خلفية الضجة التي أحدثها قرار إدارة مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بشأن إلغاء مسلكين أكاديميين : ماستر متخصص في الترجمة و التواصل و الصحافة الذي يشرف عليه حاليا الأستاذ بوتبقالت ، و إجازة مهنية في الدراسات الانجليزية.
س:بداية، الأستاذ الطيب بوتبقالت،هل بإمكانكم إعطاءنا تقديما مختصرا لمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة؟
ج: بكل فرح، مدرسة الملك فهد العليا للترجمة – خلافا لما قد يوحي به اسمها للوهلة الأولى، هي مؤسسة جامعية مغربية خالصة تنتمي إلى جامعة عبد المالك السعدي، تأسست في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وتخرج منها إلى حدود السنة الفارطة حوالي ألف من الأطر العليا المتخصصة في الترجمة و التواصل بين الثقافات . و أما اللغات الأجنبية المعتمدة بالمؤسسة فهي كالتالي : الفرنسية و الانجليزية والاسبانية و الألمانية. و بطبيعة الحال، تعتبر اللغة العربية هي اللغة التي منها و إليها تتم الترجمة من هذه اللغات الأجنبية. كما تجدر الإشارت إلى اللغة الأمازيغية التي بادرت شخصيا، بصفتي مشرفا بيداغوجيا على الماستر المتخصص في الترجمة و التواصل و الصحافة إلى إدراجها ضمن وحدات التدريس منذ 2010. و يبلغ عدد الطلبة الذين يتابعون دراستهم حاليا بالمدرسة حوالي 300 طالب و طالبة من مختلف جهات المملكة ، و يتوزعون على المسالك الستة المعتمدة بالمؤسسة :
1 – مسلك الترجمة عربية-فرنسية-انجليزية
2- مسلك الترجمة عربية-انجليزية-فرنسية
3- مسلك الترجمة عربية-اسبانية-فرنسية
4- مسلك الترجمة عربية-ألمانية-فرنسية
5- مسلك الإجازة المهنية في الدراسات الانجليزية
6-مسلك الماستر المتخصص في الترجمة و التواصل و الصحافة
هذا فيما يخص التكوينات الأساسية، أما في مجال التكوينات المستمرة، هناك حاليا تكوين” الدبلوم الجامعي في الدراسات العليا المتخصصة في الترجمة و التواصل و الصحافة”، و هو تكوين مؤدى عنه و مفتوح بالخصوص أمام المهنيين و الموظفين، لذلك تمت برمجته خلال عطلة نهاية الأسبوع على مدار السنة الجامعية. و من بين المستفيدين من هذا التكوين المستمر يوجد عدد من الأطر المغربية التابعة لبعثة الأمم المتحدة بالصحراء، المعروفة اختصارا بالمينورسو.
و كباقي المؤسسات الجامعية المغربية انخرطت مدرسة الملك فهد العليا للترجمة في البرنامج الوطني لإصلاح التعليم العالي ، بحيث عملت على توسيع عرضها التربوي بإضافة إجازة مهنية و ماستر متخصص، كما فتحت تكوينا جديدا على مستوى الدكتوراه في الترجمة و التواصل بين الثقافات.
س: ما هي حظوظ ولوج سوق الشغل لخريجي هذه المدرسة؟
ج:فيما يتعلق بالآفاق التي تفتحها هذه التكوينات أمام خريجي المؤسسة فإنها مرتبطة إجمالا بتخصصهم الأكاديمي و بمدى قدرتهم على التكيف مع متطلبات سوق الشغل . و عموما فإننا نجد خريجي مدرسة الملك فهد العليا للترجمة في القطاع الإعلامي المغربي و الأجنبي، كما نجدهم في منظمات دولية مرموقة كمنظمة الأمم المتحدة، و من الخريجين من يشتغل لحسابه الخاص في وكالات و مكاتب للترجمة على امتداد التراب الوطني، و منهم من يشتغل في القطاع العام كقطاع التعليم و غيره.. و الأصداء التي ترد علينا من مصادر مغربية و أجنبية بخصوص خريجي هذه المؤسسة كلها أصداء إيجابية تشيد بكفاءتهم العالية و بأخلاقهم المهنية المتزنة، و هو الشيء الذي يساهم بدون شك في تعزيز مكانة بلادنا العلمية و الثقافية و الحضارية.
إذن، كانت هذه باختصار لمحة سريعة عن مسار مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة ، الوحيدة من نوعها على الصعيد الوطني.
س: تداولت مؤخرا عدة مواقع للتواصل الاجتماعي و عدة جرائد وطنية نبأ إلغاء الماستر المتخصص في الصحافة بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، و هو الماستر الذي تشرفون عليه بصفتكم المنسق البيداغوجي لهذا المسلك الجامعي كما أسلفتم، فهل هذا النبأ صحيح و ما هي تداعياته المرتقبة ؟
ج: مصدر نبأ إلغاء الماستر المتخصص في الترجمة و التواصل و الصحافة بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة يعود بالأساس إلى قرار اتخذه السيد مدير المدرسة خلال انعقاد مجلس مؤسسة مدرسة الملك فهد العليا للترجمة في دورته العادية يوم الخميس 17 يوليوز 2014 . و هو قرار يتعارض جملة و تفصيلا مع توجهات هذه المؤسسة الجامعية، و يتعارض كذلك مع المساطر المعمول بها في هذا الباب على الصعيد الوطني.
س: ما دامت المدرسة تنتمي إلى جامعة عبد المالك السعدي، فما هو موقف السيد رئيس الجامعة من هذا القرار الذي تنتقدونه ؟
ج: لقد وجهت رسالة مفصلة إلى السيد رئيس جامعة عبد المالك السعدي موضحا فيها الأسباب التي جعلتني أطعن بدون تحفظ في هذا القرار الذي اعتبره قرارا مزاجيا و غير مسؤول، و منها:
أولا، كون اتخاذ هذا القرار جاء، حسب قول السيد المدير، بناء على طلب في الموضوع من السيد رئيس الجامعة نفسه، علما أن السيد المدير لم يدل بكل حيثيات و ملابسات هذا الطلب، في حالة وجوده أصلا…
ثانيا، كون ملف طلب إعادة اعتماد الماستر في الترجمة و التواصل و الصحافة تمت الموافقة عليه في نهاية شهر مارس الماضي على جميع المستويات، و خاصة على مستوى رئاسة الجامعة التي بعثته إلى وزارة التعليم العالي قصد البت النهائي في إعادة اعتماده من عدمها ،
ثالثا، كون وزارة التعليم العالي، عبر اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي، لم تلغه و إنما وضعت بعض الشروط التي يجب تلبيتها في آجال معقولة، كما هو الشأن بالنسبة لعدد كبير من مسالك الماستر في مختلف التخصصات بجامعة عبد المالك السعدي،
رابعا، كون الشروط التي وضعتها ا للجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي تمت تلبيتها بالكامل كما هو مبين في ملف طلب إعادة الاعتماد. و هو الملف الذي توصل بنسخة إلكترونية منه السيد نائب رئيس الجامعة المكلف بالشؤون البيداغوجية، و ذلك يوم الاثنين 21 يوليوز 2014، أي بعد أسبوع فقط من رد الوزارة ،
خامسا، كون التعليلات التي تقدم بها السيد المدير لتبرير قرار الإلغاء لا تمت بصلة لأي منطق علمي على الإطلاق، و إنما هي مجرد تشنجات و اعتبارات ذاتية بعيدة كل البعد عن أي تفكير سليم : لقد صب السيد المدير جام غضبه على طلبة ماستر الصحافة، معبرا عن انزعاجه من تعليقاتهم الإعلامية على مواقع الصحافة الإلكترونية التي يعتبرها مسا بسمعة المؤسسة، جاهلا القاعدة الذهبية التي بنيت عليها حرية الإعلام، و هي : “الخبر مقدس و التعليق حر”. و في حالة حدوث تجاوزات فهناك قوانين لا يعذر أحد بجهلها… إن السيد المدير،في الواقع، يلوم طلبة الماستر على تطور حس النقد لديهم و يتجاهل متغيرات مجتمع الإعلام و المعرفة المعاصر؟… و تماديا في بسط نفس التعليلات، عبر السيد المدير على عدم ارتياحه للعدد المرتفع نسبيا من المهنيين الذين يساهمون في التأطير البيداغوجي لهذا الماستر، ناعتا إياهم بضعف الكفاءة لعدم توفر أغلبهم على شواهد جامعية عليا، و جاهلا أن هذا الماستر يدخل في إطار التكوينات الممهننة – Les formations professionnalisantes التي تقتضي الاعتماد بشكل كبير على الممارسين الميدانيين الذين بفضلهم و عن طريقهم يسهل على طلبة الماستر معرفة طبيعة الظروف المهنية على أرض الواقع ، ثم الحصول على فرص للتداريب المؤهلة لولوج سوق الشغل. و هذا شيء معروف و معمول به منذ زمن بعيد في كل المؤسسات الجامعية العالمية التي توفر تكوينات ممهننة في تخصصات متعددة.
سادسا، كون وجود مفارقة صارخة لا يمكن لأعضاء مجلس المؤسسة أن يتظاهروا بجهلها ، و عناصر هذه المفارقة هي كالتالي :
- في الوقت الذي توسعت فيه مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بإضافة جناح جديد يحتوي على ست (6) حجرات للدرس و مدرجين (2) صغيرين، بسعة إجمالية تقدر بأكثر من ثلاثمائة مقعد دراسي ،
- و في الوقت الذي ارتفعت فيه ميزانية تسيير المؤسسة من مليون درهم إلى أكثر من مليوني درهم،
- و في الوقت الذي تعززت فيه هيئة التدريس بأكثر من أربعة أعضاء جدد- مع الإشارة إلى العرض المفتوح حاليا لتوظيف أستاذ في الدراسات الانجليزية،
- و في الوقت الذي وافقت رئاسة الجامعة، في الشق المتعلق بميزانية الاستثمار، على صفقة تجهيز أستوديو سمعي بصري بالمدرسة، تجري الآن الأشغال به، و يتوقع أن يكون جاهزا للاستغلال في الدخول الجامعي المقبل،
في هذا الوقت بالذات، يبادر السيد مدير المدرسة إلى تقليص العرض البيداغوجي بالمؤسسة من ستة (6) مسالك إلى أربعة مسالك فقط، ضاربا عرض الحائط مبادئ الحكامة الرشيدة و التدبير المعقلن للمال العام و ضرورة فتح المجال لأكبر عدد ممكن من أبناء الشعب المغربي، من طنجة إلى الكويرة، قصد الاستفادة من تكوينات باتت بلادنا في حاجة ماسة إليها في ظل أوراش الإصلاح الكبرى و المشاريع المهيكلة في شتى القطاعات. و سوف لن يتأتى ذلك إلا عبر تنمية رأس المال البشري غير المادي واعتماده ” كمعيار أساسي خلال وضع السياسات العمومية، وذلك لتعميم استفادة جميع المغاربة من ثروات وطنهم” ، كما جاء ذلك بكل حكمة و وضوح في خطاب العرش الأخير.
و تجدر الإشارة إلى كون المسلكين المعنيين بقرار الإلغاء (الإجازة المهنية و الماستر المتخصص) يحتويان على ما يناهز% 50 من العدد الاجمالي لطلبة المؤسسة. و من الجدير بالملاحظة كذلك أن الإعلام و الترجمة يعدان وجهين لعملة واحدة. وكل إحصائيات تشغيل خريجيى المدرسة منذ تأسيسها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تؤكد دينامية قطاع الإعلام و الاتصال في إدماجهم في سوق الشغل و منحهم فرصا حقيقية للمساهمة في التنمية العامة للبلاد. بل منهم من يحتل اليوم مراكز القرار في العديد من المنابر و المؤسسات الوطنية و الدولية. وبكل تأكيد يعد الماستر المتخصص في الترجمة و التواصل و الصحافة لبنة إضافية متميزة جاءت لتعزز وتغني العرض التربوي بهذه المؤسسة، ناهيك عما للإجازة المهنية في الدراسات الانجليزية من أهمية قصوى في سياق العولمة الجارفة التي جعلت من اللغة الانجليزية لغتها الرسمية. أنا، أقولها بكل صراحة، لست أدري كيف غابت كل هذه الاعتبارات الوجيهة عن حصافة السيد المدير و باقي أعضاء مجلس المؤسسة الموقر؟…
س : ربما قد يكون ذلك راجعا بالأساس إلى قلة الأساتذة الباحثين بالمؤسسة، و بالتالي انعدام إمكانية التأطير البيداغوجي و العلمي للطلبة في هاذين المسلكين ؟
ج : لا أعتقد أن هذا الطرح صحيح، لسببين : أولا، كما أشرت إلى ذلك سابقا، عرفت هيئة التدريس توظيفات جديدة و تضاعف المبلغ المخصص لميزانية التسيير و تعززت المدرسة بتجهيزات و توسيعات إضافية، مما أهلها لتوسيع و تنويع عرضها التربوي. ثانيا، بمجرد موافقته على إلغاء الإجازة المهنية في الدراسات الانجليزية، تحت ذريعة قلة الأساتذة في الشعبة الانجليزية و الضعف المزعوم لمردودية هذا المسلك، فتح السيد المدير تكوينا مستمرا لفائدة أطر من القطر الليبي الشقيق مقابل 75000 دولار أمريكي، تجند للقيام به على وجه الخصوص كافة أساتذة الشعبة الانجليزية بالمؤسسة. علما أن القاعدة العامة المتبعة بجامعة عبد المالك السعدي في مجال التكوين المستمر، تقضي بعدم فتح أي تكوين مستمر في حالة إلغاء تكوين أساسي ذات الصلة. و هذا شيء مخجل لا أعتقد أن السيد مدير المدرسة أخبر السيد رئيس الجامعة به و أحرز على موافقته بهذا الشأن.
س : و الآن، ما العمل الأستاذ بوتبقالت ؟
ج: أنا، أؤكد لكم هنا أنه لا يهمني في اتخاذ هذا الموقف سوى الصالح العام ، لست معاديا و لا محابيا لأحد. لهذا،و تجسيدا للوعي بالمسؤولية الأدبية و العلمية، و بدافع الضمير المهني-لا غير، فإنني أعلن رفضي التام و الصريح لقرار السيد مدير هذه المؤسسة العريقة الرامي إلى إلغاء مسلك الماستر المتخصص في الترجمة و التواصل و الصحافة ، و مسلك الإجازة المهنية في الدراسات الانجليزية. و أحمل مسؤولية ما يحدث من انتكاسات بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، اسما و صفة و تراتبيا، لكل من الدكتور حذيفة أمزيان، رئيس جامعة عبد المالك السعدي، و الدكتور لحسن الداودي، وزير التعليم العالي و البحث العلمي و تكوين الأطر.